- i24NEWS
- تحليلات وأراء
- تحليل: اقتصاد مصر .. وثيقة السيسي الاستراتيجية للتوجهات تفتقد الوجهة
تحليل: اقتصاد مصر .. وثيقة السيسي الاستراتيجية للتوجهات تفتقد الوجهة
الاقنصاد المصري يواجه مشاكل وصعوبات مؤخرا يخوض التحليل أدنا فيها من جوانب مختلفة
![مركبات تمر تحت لوحات إعلانية تظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باللغة العربية مكتوب عليها "هدفنا المشترك هو مصر: حلمنا وأملنا" على طريق سريع جديد في القاهرة، مصر، الأربعاء، 22 فبراير 2023](https://cdn.i24news.tv/uploads/0d/96/3a/9b/9b/89/4f/fb/b9/a4/9a/45/af/52/c6/c3/0d963a9b9b894ffbb9a49a45af52c6c3.jpg?width=1000)
عُرف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ توليه السلطة في البلاد قبل 11 عاما، بأنه لا يولي لدراسات الجدوى اهتمام: "لو هنتتظر دراسات الجدوى مش هنعمل حاجة"، وعندما قرر عقد مؤتمر اقتصادي لبحث المشاكل وجاء بالخبراء والاساتذة والاكاديميين ليجتمعوا لبحث الحلول، سخر منهم واعتبره كلامهم لا يحمل جديدا، فيرى مراقبون ان لدى السيسي حاله من الاعجاب بالنفس اختصرها بقوله " ففهمناها سليمان" وكأن الرئيس اوتي الحكمة والفهم الكامل فهو الطبيب الجراح الذي يصف الدواء ويعرف مصر جيدا كما لا يعرفها أحد مثله، ويتواصل معه قادة العالم ليستشيروه ويتعلموا منه، على حد تعبيره.
![AP Photo/Amr Nabil](https://cdn.i24news.tv/uploads/4a/6f/ab/87/94/6c/05/ed/49/64/ff/20/0a/1f/7b/e9/4a6fab87946c05ed4964ff200a1f7be9.jpg?width=750)
يواجه الاقتصاد المصري العديد من التحديات منذ تولي الرئيس السيسي السلطة في عام 2014، بما في ذلك انخفاض قيمة الجنيه، ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم، وزيادة الديون، وانخفاض الاستثمار الأجنبي، وتراجع السياحة، وفقر البنية التحتية، وغياب الإصلاحات الهيكلية. وفشلت خططه الاقتصادية في معالجة هذه المشاكل بشكل كافٍ، لأنها اعتمدت على الدعم الخارجي من دول الخليج وصندوق النقد الدولي، ولم تحقق النمو الشامل والمستدام، ولم تحسن من الحوكمة والشفافية والعدالة الاجتماعية، ولم تواجه سيطرة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد ومنافسة القطاع الخاص.
تعمد غياب البرنامج
في حادثة شهيرة عند ترشح الرئيس السيسي للمرة الأولى لرئاسة الجمهورية في مايو من العام 2014 التقى السيسي وفدا من الفنانين، وطالبه الممثل محمد صبحي، بالإفصاح عن برنامجه الانتخابي: "أنت تظهر في الفترة الأخيرة كثيراً دون أن تتحدث عن برنامجك الانتخابي". فرد السيسي فى انفعال واضح، بأنه كان منشغلًا طوال الفترة الماضية بتقوية الجيش، حتى يصبح من أقوى جيوش العالم، كما كان يرفض الانجراف لمعترك السياسة، إلا أن كل من حوله ظلوا يضغطون عليه حتى يترشح للانتخابات، واستطرد بانفعال: "وانتوا الفنانين كنتوا جزء من الناس اللي ضغطوا عليا، ودلوقتي جايين تطالبوني ببرنامج، أنا معنديش برنامج".
![AP Photo/Amr Nabil](https://cdn.i24news.tv/uploads/f5/f7/3a/98/8f/92/7f/06/94/db/5b/d8/0d/02/78/c4/f5f73a988f927f0694db5bd80d0278c4.jpg?width=750)
مرة أخرى يتكرر المشهد فى حوارأجرته ثلاث فضائيات ( الحياة- دريم- النهار) مع السيسي، وسأله الصحفي خالد صلاح: انت لا تتكلم عن التفاصيل وتلجأ للحديث عن الخطوط العامة والعريضة، هل تخاف (وآسف إذا كنت بقول لحضرتك تخاف) الإعلان عن تفاصيل برنامجك؟، فكان رد السيسي: "طبعاً، لاعتبارات الأمن القومي. مقدرش أقول أنا ها انفذ ايه وبكام وفين دى، برنامجي الانتخابي أمن قومي مينفعش تناقشني فيه كده ع الهوا". ومما تقدم يتضح لنا أننا أمام رجل يضيق بالاستفسار، ويتبرم من التوضيح، وينفعل من أقل شيء لا يعجبه، ولا يتوارى عن نعت محدثيه بالجهل وقصر النظر مثل جكلته الشهيرة لأحد النواب بالبرلمان المصري على الهواء مباشرة :"أنت دارس الكلام اللي بتقوله ده" ، هذه التجربة الطويلة معه، جعلت المصريين يدركون حقيقة السيسي ذو الخلفية العسكرية، الذي تولى ادارة المخابرات الحربية في عهد الرئيس مبارك وعينه الرئيس محمد مرسي لوزارة الدفاع، فهو يَسئل ولايُسأل، كمثال واقعي لعبارة أحمد السقا في فيلم الجزيرة :"من النهاردة مفيش حكومة، أنا الحكومة".
![AP Photo](https://cdn.i24news.tv/uploads/01/ff/49/28/b2/c7/51/f3/35/20/b3/a7/84/07/bb/60/01ff4928b2c751f33520b3a78407bb60.jpg?width=750)
وثيقة توجهات الاقتصاد
اعتادت الحكومة المصرية عدم الافصاح للجمهور عن الخطط المستقبلية، ربما خشية مؤامرات "أهل الشر" الذين لا يريدون الخير لمصر، كما اعتاد السيسي أن يسمي "جماعة الإخوان "، وعلى غير العادة نشرت رئاسة الوزراء المصرية مشروعا بحثيا تحت مسمى "وثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري من 2024- 2030 "، واشتملت الوثيقة على 8 توجهات استراتيجية جاءت كما يلي:
1. تحقيق نمو اقتصادي قوي وشامل ومستدام ومتوازن داعم لنهضة الدولة المصرية يتراوح ما بين 6% إلى 8%، مع تركيز أكبر على نوعية النمو الاقتصادي، عبر تعزيز مساهمة الصادرات والاستثمارات في توليد الناتج، والتركيز على وتيرة نمو اقتصادي داعمة للتشغيل لتوفير ما يتراوح بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل خلال تلك الفترة.
2.تبني سياسات اقتصادية قابلة للتوقع وداعمة لاستقرار الاقتصاد الكلي تستهدف تحقيق الاستقرار السعري، والانضباط المالي، ووضع الدين العام في مسارات قابلة للاستدامة، وتنفيذ برنامج لتعزيز المتحصلات من النقد الأجنبي بحصيلة مستهدفة 300 مليار دولار بنهاية عام 2030 بما يمثل ثلاثة أضعاف المستويات الحالية.
3.تنفيذ الاستراتيجيات والخطط والبرامج الداعمة لأداء القطاعات الاقتصادية القائدة لنهضة الدولة المصرية.
4.تعزيز دعائم اقتصاد تنافسي مستدام قائم على المعرفة من خلال دعم دور البحث والتطوير في بناء نهضة الدولة المصرية، وتسريع وتيرة الانتقال إلى تقنيات الثورات الصناعية، والتحرك بخطى مستدامة نحو الاقتصاد الأخضر.
5.مواصلة كافة المكتسبات المحققة على صعيد القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها قطاعات التعليم والصحة وتحسين مستويات معيشة المواطنين لضمان حياة ترقى لطموحات المصريين.
6.دور رائد لمصر في الاقتصاد العالمي عبر تفعيل وتعظيم الدور الاقتصادي لقناة السويس، وتعزيز دور مصر في تجارة الترانزيت، ومواصلة إبرام شراكات استراتيجية دولية فاعلة.
7.تعزيز مشاركة الشباب الركيزة الأساسية للتقدم على عدد من الأصعدة.
8.دور فاعل للمصريين بالخارج في ترسيخ دعائم نهضة الدولة المصرية.
وحول ظروف اصدار الوثيقة يقول رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولى: إنه في إطار ما تشهده الفترة الحالية من نزاعات وحروب مشتعلة في العالم، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، وما سبقها من أزمات الجائحة التى فرضت تحديات بالغة على دول العالم أجمع، وتركت تأثيرات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة في مختلف القارات، تم إعداد مشروع بحثي متكامل لمجموعة من التوجهات الاقتصادية للمرحلة المقبلة تأخذ بعين الاعتبار متغيرات الظروف العالمية وتوجهات التنمية المستدامة، حيث تعتبر الحكومة إشراك الخبراء والمختصين في رسم السياسات العامة أمرًا حيويًا لا غنى عنه لتحقيق أقصى استفادة من العقول والخبرات الوطنية المتاحة في جميع القطاعات والتخصصات.
![AP Photo/Kamran Jebreili](https://cdn.i24news.tv/uploads/61/a6/b5/d1/8e/3f/c0/83/2e/bc/93/82/37/da/55/bb/61a6b5d18e3fc0832ebc938237da55bb.jpg?width=750)
ردود أفعال
تباينت ردود الأفعال حول وثيقة الاستراتيجيات الاقتصادية المقترحة من الحكومة، فيما احتفت بها وسائل الإعلام المملوكة للدولة بوصفها تحمل البشارة لانفراجه كبيرة لمصر في المستقبل القريب وتأتي تتويجا لجهود الرئيس السيسي وتوجيهاته مع بداية ولايته الجديدة، وهي الرؤية الشاملة الكاملة، الوافية والكافية.
على الجانب الآخر، في صفوف المعارضة المصرية من يرى أنها احتوت على شعارات ومبادئ عامة وكلام معسول، لا يوجد على الأرض ما يثبت امكانية تحقيقه في ظل الادارة الحالية التي أحكمت سيطرة المؤسسة العسكرية على مفاصل الاقتصاد، وقضت على فرص منافسة القطاع الخاص في ظل انعدام العدالة الضرائبية، وغياب سيادة القانون، وهو ما يؤدي إلى إحجام الاستثمار الأجنبي المباشر.
اسطوانة كورونا وأوكرانيا
ويرى مراقبون أن محاولة المسؤولين وعلى رأسهم السيسي ورئيس وزراءه تحميل أزمتي الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا مسؤولية الفشل الاقتصادي بالبلاد، لا تنم عن الحقيقة، وتعد تبريرا يفتقد المنطق، لأنه وبلغة الأرقام، ووفقا لبيانات البنك المركزي المصري فإن رصيد العملات الأجنبية السالب ومخاطر الديون ظهرت منذ نهاية 2021 أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية بأكثر من شهرين.
فضلا عن أن مصر أثناء اشتداد جائحة كورونا حصلت على قروض بنحو 8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي لمواجهة آثار الجائحة، إضافة إلى تصريح أكثر من مسؤول مصري آنذاك بأن البلاد لم تتأثر بأزمة " كورونا" بالقدر الذي تأثرت به دول أخرى، لأن الله "حفظ مصر" وفقا لتعبير السيسي.
وتبرز المشكلة الاقتصادية لدى المعارضين في مصر في ازدياد الإنفاق الحكومي على مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية مثل توسعة قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة والنهر الصناعي، وظاهرة "أفعل" في المشاريع القومية، "أطول" برج في افريقيا "الأيقوني"، و"أكبر" جامع و"أضخم" كنيسة، و"أرفع" ساري عَلَم ، و"أسرع" قطار كهربائي، وطائرة الرئيس "ملكة السماء"، والنتيجة هي إنفاق مئات المليارات على مشروعات تعود بالنفع على نسبة بسيطة جدا من السكان. مع إهمال التعليم والصحة وعدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وإهمال قطاع الصناعة ويترتب عليه نقص الصادرات وزيادة الواردات، كل ذلك جعل الوضع الاقتصادي في قمة الهشاشة وترك حكومة الجمهورية الجديدة أمام حلول سريعة أحلاها مر وهي زيادة الضرائب والرسوم على المواطنين، وارتفاع معدلات الاقتراض من الخارج وبيع أصول الدولة المصرية.
![AP Photo/Amr Nabil, File](https://cdn.i24news.tv/uploads/d8/b3/52/3c/73/d5/55/ca/35/20/90/f7/b8/36/d4/76/d8b3523c73d555ca352090f7b836d476.jpg?width=750)
أزمة الدولار
أحد النماذج الواضحة لخلل المنظومة الاقتصادية في مصر هي أزمة الدولار، وتتجلى عند بحث رجال الأعمال عن الدولار ولا يجدوه فهو عملة "صعبة"، ولها من اسمها نصيب، فليس من السهل ايجادها أو الحصول عليها، سعر الدولار في البنوك حاليا من 30 إلى 31 جنيها لكنك في الوقت نفسه لا تستطيع شراءه، لانه موجود كسعر فقط، وغائب كسلعة، يشترى منك البنك دولارتك بسعره البخس لكنه لا يبيع لك، والاستثناءات نادرة جدا تتطلب مزيد من الأوراق والاثباتات لتحصل على مبالغ صغيرة في النهاية لا تكفي احتياجك، فاذا كنت مواطن تريد 500 دولار من حسابك بالبنك لعلة السفر فعليك ان تقدم تذاكرك وحجزك الفندقي لتحصل عليها، لكن هناك "السوق السوداء" قائمة رائجة خارج اطار البنوك حيث وصل السعر- عند كتابة هذه السطور- إلى 55 جنيها مقابل الدولار الواحد، في ظل غياب آلية حكومية للخروج من هذا المأزق بتحرير سعر الجنيه، أو مزيد من التعويم كما اصطلح أهل الاقتصاد.
تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر أدى إلى ازدياد معدلات الفقر وعدم الاستفادة من المزايا النسبية التي تتمتع بها الدولة من موقع جغرافي وثروات طبيعية والتي تؤدي في حالة وجود حركة صناعية ناجحة إلى زيادة الصادرات وتقليل الواردات وإصلاح الخلل الهيكلي في ميزان المدفوعات.
![AP Photo/Amr Nabil](https://cdn.i24news.tv/uploads/ad/44/64/b1/5f/b3/5d/b8/07/ca/9c/02/de/c4/25/a5/ad4464b15fb35db807ca9c02dec425a5.jpg?width=750)
خريطة طريق
والخلاصة التي يراها الخبراء ومنهم الباحث مصطفى يوسف الباحث في الاقتصاد السياسي، للخروج من الأزمة الاقتصادية ، ستكون عبر اجراءات سياسية واقتصادية، يمكن اختصارها فيما يلي:
أولا: اقرار سيادة القانون واستقلال القضاء، ورفع يد المؤسسة العسكرية عن الاقتصاد، وأن تعود ملكية كافة الشركات والوحدات الاقتصادية والأراضي المملوكة للمؤسسة العسكرية وكافة الجهات الأمنية والسيادية في مصر إلى الموازنة العامة للدولة، بما في ذلك الصناديق السيادية مثل "تحيا مصر" و"صندوق مصر السيادي".
ثانيا: التوقف عن سياسة بيع الأصول المصرية "المربحة" ذات العوائد الدولارية للأجانب، وعدم التوسع في الاقتراض الخارجي بلا حساب أو دراسة، عبر الإنفاق على مشروعات غير تنموية، أغلبها استعراضي وغير مجد اقتصاديا وما يلزم ذلك من توفير الدولار لسداد هذه القروض.
ثالثا: عدم تفضيل جهات محددة بزيادة المرتبات بشكل ضخم مثل المؤسسات العسكرية والشرطية والأمنية والقضائية والإعلامية وترك باقي المواطنين يعانون التضخم والغلاء، ويكافحون الفقر الناتج عن سياسات النظام. وويكون ذلك بتعديل هيكلية المرتبات والقضاء على التفاوت الطبقي بين شرائح المجتمع.
رابعا : إلغاء الإعفاءات الضريبية والرسوم الجمركية التي حصلت عليها الجهات السيادية وتحميلها تلك الضرائب والرسوم بأثر رجعي. واعتماد نظام جديد يساعد في خفض الضرائب إلى الحد الأدنى على كل أسرة ذات دخل يقل عن 300 دولار شهريا.
سادسا: تشجيع بيع المشاريع التي تمت بتكاليف باهظة كالمدن الجديدة، تقليص الإنفاق الحكومي بشكل فوري وعاجل وتحديدا مصروفات الحكومة والبرلمان ومؤسسة الرئاسة والجهات الأمنية والجهات السيادية والصحف القومية والمؤسسة العسكرية. ورفع يد الحكومة عن الإعلام وعدم دعمه، نظراً لإنفاق مليارات الجنيهات خلال عدة سنوات في مسلسلات وأعمال فنية وقنوات فضائية تفتقر للحد الأدنى من المهنة ولا تحقق أية عوائد.
سابعا: الاتفاق مع الجهات الدولية والمقرضين على إعادة جدولة الديون واعفاء الدولة المصرية من الفوائد، نظرا لوجود إصلاحات حقيقية تتحملها الدولة والحكومة قبل المواطن.
![AP Photo/Amr Nabil](https://cdn.i24news.tv/uploads/cb/8c/bf/bb/31/75/d2/1d/26/bc/a0/50/f4/32/5d/3d/cb8cbfbb3175d21d26bca050f4325d3d.jpg?width=750)