- i24NEWS
- تحليلات وأراء
- تحليل: رأس الحكمة ورأس جميلة .. رؤوس حان قطافها
تحليل: رأس الحكمة ورأس جميلة .. رؤوس حان قطافها
مشروع رأس الحكمة يقع على الساحل الغربي المطل على البحر المتوسط بشراكة إماراتية
يبدو أن حالة العوز والفقر التي يواجهها النظام المصري جعلته يستغني عن أحد الثوابت الخالدة المرتبطة بالشخصية المصرية في موروثها الثقافي التاريخي، إنه مفهوم الحفاظ على الأرض وعدم التفريط فيها كجزء لا يتجزأ من هوية الشخص وكرامته، وهو مبدأ يعكس العلاقة العميقة التي تربط المصري تاريخيا بأرضه، ودفاعه عنها إلى حد الموت في سبيل ذلك، ويعد النموذج المصري الأكثر تشددا في ذلك مقارنة بشعوب أخرى، حيث اعتبر الأرض تفريط ودليل على المهانة وفقدان الكرامة، وارتبط المفرط في التراث الشعبي بشخصية "عواد" والذي أصبح اسمه باقياً يتردد في انشودة متوارثة: "عواد باع أرضه يا ولاد .. شوفوا طوله وعرضه ياولاد" .
https://x.com/i/web/status/1760685627585277979
This post can't be displayed because social networks cookies have been deactivated. You can activate them by clicking .
الفساد الحكومي
يؤدي الفساد في التعاقدات الحكومية إلى فقدان ثقة الشعب في الحكومة والمؤسسات العامة، ويخول هذا الفساد للمسؤولين والمتعاقدين استغلال الفجوات والثغرات في ظل عدم المراقبة وغياب الشفافية والتضليل المعلوماتي إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الصالح العام للبلاد، وتلعب المصداقية والشفافية دورًا حاسمًا في الحد من الفساد، واعادة الثقة الشعبية الغائبة التي يمكنها مساندة توجهات الحكومة وقرارتها الاقتصادية على رغم مرارتها.
من هذا المنطلق، يتعرض النظام المصري لانتقادات شعبية كبيرة عند اقدامه على صفقات يمكن اعتبارها في المفهوم الشعبي جريمة تفريط في الأرض بالبيع أو التنازل لغير المصريين، حتى بعد أن أصبح هذا النوع من الصفقات شائعا في معظم دول العالم، فإنه لا يلقى ترحيبا على المستوى الشعبي، وهو ما يزيد من أزمة النظام المصري ويضاعف آثارها، فغرض النظام عبر هذه الصفقات البحث عن مخرج عاجل وموارد للوفاء بأقساط ديونه والتزاماته الأساسية تجاه المواطنين، عبر توفير السيولة النقدية من العملات الأجنبية لمواجهة مشكلاته الاقتصادية، لكنه في الوقت نفسه يخشى أن تزيد هذه الصفقات من حدة الغضب الشعبي المتصاعد تجاهه.
وما يزيد الطين بلة، هو انعدام الثقة الشعبية في هذه الصفقات ومرجعه – عادة - للغموض وغياب المصداقية والشفافية، والتأخر في إعلام الجمهور بالتفاصيل والشروط التعاقدية لهذه الصفقات، وهو ما يسمح بحالة من الانقسام المجتمعي حولها بين مؤيد ومعارض.
صفقة رأس الحكمة
وكانت الحكومة المصرية وقعت قبل أيام عقدا لتطوير مشروع رأس الحكمة على ساحلها الغربي المطل على البحر المتوسط بشراكة إماراتية، ووفقا لبيانات الحكومة المصرية الرسمية يستقطب المشروع استثمارات تزيد عن 150 مليار دولار خلال مدة تطويره، منها 35 مليار دولار كاستثمار أجنبي مباشر خلال شهرين. وهي الصفقة الأكبر في تاريخ مصر، وفق تصريحات لرئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي الذي أكد أن الصفقة تمت في إطار قوانين الاستثمار المصرية.
وأوضح مدبولي أن الجانب الإماراتي سيضخ استثمارا أجنبيا مباشرا لمصر بقيمة 35 مليار دولار خلال شهرين يتم سدادهم على دفعتين، الأولى خلال أسبوع بواقع 15 مليار دولار (تشمل 10 مليارات دولار سيولة من الخارج بالإضافة إلى التنازل عن 5 مليارات دولار من الودائع الخاصة بالإمارات لدى البنك المركزي المصري).
وأضاف مدبولي: "الدفعة الثانية سيتم سدادها بعد شهرين بواقع 20 مليار دولار (تشمل 14 مليار دولار سيولة من الخارج بالإضافة إلى التنازل عن 6 مليارات دولار من الودائع الخاصة بالإمارات لدى البنك المركزي المصري)". وكشف أن حجم الودائع الإماراتية لدى البنك المركزي المصري يبلغ نحو 11 مليار دولار، سيتم التنازل عنها ضمن استثمارات مشروع تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة.
وبين رئيس الوزراء المصري، أن حصة مصر من أرباح مشروع مدينة رأس الحكمة في الساحل الشمالي بلغت نحو 35%.وشدد رئيس الوزراء المصري على أن مشروع مدينة رأس الحكمة هو "شراكة استثمارية وليس بيع أصول"، وسيتم في إطار مخطط متكامل لتنمية الساحل الشمالي بمدن ذكية.
موقف المعارضة المصرية
وتحت وسم "السيسي يبيع مصر" كتب العديد من المعارضين المصريين رأيهم في الصفقة واعتبروها نموذجا واضحا لفشل النظام في تحقيق التنمية التي وعد بها باللجوء إلى الحلول السهلة لمتمثلة في بيع أصول الدولة وممتلكاتها بثمن بخس، وشكك بعضهم في حقيقة الأرقام المعلنة حيث قال الكاتب قطب العربي أن الرقم المعلن من طرف الحكومة (35 مليار دولار) يعتبر في حقيقته 24 مليارا فقط من حيث السيولة الدولارية الجديدة التي ستدخل خزينة البلاد ، والبقية ( 11 مليار دولار) هي ديون إماراتية مستحقة على مصر (كانت وديعة سابقة في البنك المركزي)، أي أنها ستُسحب من البنك المركزي المصري بالعملة المحلية كما أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
ويضيف العربي :" ما تم الإعلان عنه ليس مجرد صفقة استثمارية تقليدية بل هو صفقة سياسية لتعويم النظام قبل تعويم الجنيه خلال أيام، ولأنها استثمار سياسي حيث تتبع الشركة القابضة الإماراتية حكومة أبو ظبي وعلى رأسها الشيخ محمد بن زايد مباشرة فإنها -أي الصفقة - لا تزال غامضة في بعض أجزائها، والحد الأدنى لفك هذا الغموض، كان ضرورة عرضها على البرلمان (رغم هزالة وضعه) لإقرارها.
رأس جميلة
وقبل أن يفيق الشعب المصري من صدمة رأس الحكمة، ظهر الحديث من جديد عن استثمارات سعودية هذه المرة على ساحل البحر الأحمر في منطقة تعرف ب"رأس جميلة" بمدينة شرم الشيخ، لكن تعجل الإعلاميين المحسوبين على النظام المصري في كشف أوراق الصفقة الجديدة أحدث ردة فعل سلبية لدى الجماهير . وهو ما دفع المتحدث باسم وزارة قطاع الأعمال إلى نفي وجود تفاوض "حاليا" مع الوزارة في تلك المنطقة. لكنه "الوزير" ترك الباب مفتوحا أمام إمكانية الصفقة ، بقوله "قد يتم طرح "رأس جميلة" عن طريق استشاري عالمي أو بيت خبرة عالمي لوضع رؤية متكاملة حول كيفية استغلال هذه الأرض، وبناءً عليه سيتم التعامل معها عن طريق اللجان المختصة.
انقاذ رأس النظام
واعتبر محللون أن مثل هذه الصفقات بمثابة إنقاذ لرأس النظام في مصر، حيث تهدد الأزمة الاقتصادية مستقبل بقاءه، بينما رأى البعض أن الصفقة ستكون بمثابة طريق لتغير سياسة صندوق النقد المتشددة تجاه الحكومة المصرية من أجل مزيد من القروض الجديدة، ووعد الصندوق برفع قيمة القرض الحالي لمصر من 3 مليارات إلى 10 مليارات دولار.
ولا يستبعد البعض أن تكون الصفقة فرصة لتعويم النظام المصري الغارق في ديونه حماية لمصالح الدول الكبرى في المنطقة الذي يعد بقاء النظام الحالي لمصر صمام أمان لها في ظل حرب اقليمية مستعرة، واحتمالات حدوث عمليات تهجير فلسطينية واسعة إلى مصر. وهو ما يبدو واضحا في وعد الاتحاد الأوروبي بتقديم 10 مليارات دولار لمصر في حالة تعرضها لذلك نتيجة استمرار الحرب في غزة.
وفي ظل الضغوط الاقتصادية والاحتياج لسداد اقساط الديون تبدو هذه الاستراتيجية من البيع للأراضي والمشروعات مسكن للألم وليس علاجا له، فمثل هذا الاستثمار السياسي لا يستهدف تقوية مصر، ولكنه يستهدف فقط إبقاءها على قيد الحياة، في حالة مرضية مزمنة لا تمثل خطرا على السادة الجدد في المنطقة.
وفيما يبدو أن النظام المصري يسعى لتضخيم من قيمة هذه الصفقات من أجل بيع الوهم مجددا للمصريين كما حدث مرات كثيرة من قبل، لكن ليس من العدل أيضا إنكار دورها في تخفيف بعض الضغوط الاقتصادية الحالية ولو جزئيا، خاصة إذا أضفنا لها وعد صندوق النقد، ووعد الاتحاد الأوروبي، وعلى العموم فإن الاختبار العملي الواضح للجميع هو اثر تلك الصفقات على سوق الصرف، وحياة المواطنين وهو ما سيتبين لنا في الأيام القادمة ، وإن غدا لناظره لقريب.