تحليل: رغم انتقادات الحقوقيين، لماذا السيسي مهم للأوروبيين؟

بعد تونس وموريتانيا، وقع الاتحاد الأوروبي الأحد الماضي 17 آذار/مارس اتفاقية مع مصر بقيمة 7.4 مليار يورو (8.06 مليار دولار) لتعزيز العلاقات. ورغم أن نص الاتفاق يتحدث عن العمل على الترويج لقيم الاستقرار والديمقراطية والحريات والمساواة بين الجنسين والفرص المتساوية والاستثمار والتجارة المستدامة، والأمن الغذائي وتغير المناخ، إلا أن الكثير من الخبراء يرون أن وقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا هو أولوية الأوروبيين.

في هذا الصدد، قالت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، التي توجهت إلى القاهرة برفقة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورؤساء وزراء اليونان والنمسا وبلجيكا والرئيس القبرصي، إن مثل هذه الاتفاقيات هي "أفضل طريقة للتصدي لتدفق المهاجرين".

انتقادات حادة للحقوقيين .. لكن !

لكن وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان عن خطة تعزيز العلاقات مع مصر وتوفير تمويل جديد "الخطة هي نفس اتفاقات الاتحاد الأوروبي المعيبة مع تونس وموريتانيا، إذ تضع وقف تدفق المهاجرين مقابل تجاهل الانتهاكات". وكتبت صحيفة دي ستاندارد الألمانية أن "المصافحة المحرجة مع الدكتاتور السيسي التي شهدناها بالأمس، دليل على أن حماية حقوق الإنسان لم تعد هي المهمة الأساسية، بل حماية حدودنا الخارجية". وينتقد الكثير من الحقوقيين والسياسيين اليساريين الأوروبيين توجه دول الاتحاد الأوروبي إلى تشديد قوانين الهجرة واللجوء أمام مواطني الدول التي تشهد أزمات وحروب، وتشجيعها لهجرة أصحاب الكفاءات من تلك البلدان. لكن على ما يبدو فهذه الانتقادات لا تجد آذانا صاغية أمام رغبة الأوروبيين في التصدي بصرامة للهجرة غير النظامية التي تعزز شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للهجرة. 

الهجرة وهاجس زحف اليمين المتطرف

ترى الصحفية الفرنسية آنه روفان في مقالها في صحيفة "لوفيغارو" بتاريخ 15 أذار/مارس، أن "الجانب المتعلق بالهجرة في هذه الاتفاقية يشكل أهمية بالغة بالنسبة لأوروبا، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة". فمصر تأوي نحو 9 ملايين لاجئ ومهاجر، من بينهم 4 ملايين سوداني و1.5 مليون سوري، وقد ارتفعت أعداد المصريين الذين يحاولون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي بشكل غير قانوني هربًا من الأوضاع الاقتصادية المزرية. وبينما تستمر الحرب في السودان وتخطيط إسرائيل لشن هجوم بري على رفح، والاضطرابات التي تشهدها الجارة ليبيا، والأزمة الاقتصادية والمالية في البلاد، يشير ضغط الهجرة على مصر إلى تهديد محتمل يُمثّل تحديًا كبيرًا لأوروبا، كما تضيف الصحفية الفرنسية. 

ومع اقتراب الانتخابات الأوروبية في فصل الصيف القادم والخوف من تقدم اليمين الشعبوي المتطرف باستخدام قضايا الهجرة كورقة للتأثير، يسعى القادة الأوروبيون لتطمين المواطنين من خلال توقيع اتفاقيات للحد من الهجرة غير النظامية، تمامًا كما حدث مع تونس وموريتانيا وتركيا. وبالنسبة للكثير من القادة الأوروبيين فأهم مكسب لهم من الزيارة الى القاهرة تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الصحفي المشترك حين قال: "تناولتِ المناقشات أهميةَ الاستمرار في مواجهة التحديات المشتركة وأبرزُها الهجرةُ غير الشرعية، كما أكدنا التزامنا بمكافحة هذه الظاهرة".

الرغبة في سحب البساط من تحت أرجل الصين وروسيا

في مقال رأي بتاريخ 13 مارس، كتب الصحفي المختص في العلاقات الأوروبية العربية، دانييل بوملر، مقالًا تحليليًا في صحيفة "دي فيلت" حيث يوضح أحد أهم الأسباب التي دفعت أوروبا لتوقيع الاتفاقية مع مصر قائلاً: "إذا قاطعت أوروبا مصر، فإن البلاد ستتجه أكثر نحو الصين وروسيا، اللتين تسعى كلا منهما للاستثمار في مصر بقوة." ويصل حجم التجارة مع مصر إلى 6 مليارات دولار، في حين تعد الصين من بين الشركاء التجاريين الرئيسيين لمصر على مستوى العالم، وفقًا لتصريحات وزير التجارة المصري المهندس أحمد سمير الذي أفاد بأن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ نحو 16 مليار دولار في العام الماضي. على الجانب الآخر، سجلت قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي تراجعًا بنسبة تقارب 20 في المائة خلال السنة الماضية، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.

خطر الإسلام المتشدد

تشعر الحكومات الأوروبية منذ فترة طويلة بالقلق من خطر عدم الاستقرار في مصر، حيث يبلغ عدد سكانها 106 مليون نسمة وتعاني من صعوبات في الحصول على العملة الأجنبية، مما دفع أعدادًا متزايدة إلى الهجرة في السنوات القليلة الماضية. يقول خبراء أوروبيون إن تدهور الوضع الاقتصادي في مصر قد يدفع بالكثير من المصريين إلى النزوح، كما أن الجماعات الإسلامية المتشددة قد تستغل الوضع لبناء خلايا مسلحة لتنفيذ عمليات داخل مصر وخارجها. في هذا السياق، يشير الخبير الألماني في العلاقات الأوروبية العربية إلى أن مصر، التي تتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، تُعتبر أيضًا موطنًا لبعض من أكثر التيارات الإسلامية العدوانية. ويضيف الخبير أنه "إذا تحول ولو واحد بالمائة من سكان مصر إلى الجهاديين المحليين، فسوف يكون لدى العالم مليونًا من الإرهابيين المحتملين".

وبعد مصر وتونس وموريتانيا وتركيا فالسؤال المطروح الآن على من جاء الدور؟. أما نجاعة هذه الاتفاقيات في القضاء على الهجرة النظامية وزحف اليمين المتطرف، فليس مضمونا كما بينت التجارب من الماضي.