- i24news
- تحليلات وأراء
- تركيا .. كلمة السر في صراعات الشرق الأوسط
تركيا .. كلمة السر في صراعات الشرق الأوسط
لتركيا دور محوري في الشرق الأوسط أدى الى تحجيم الرد الإيراني على الهجوم
لعبت تركيا مؤخرا دورًا محوريًا في خفض التصعيد بين إيران وإسرائيل، خاصةً بعد الهجوم الذي استهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، حيث طلبت الولايات المتحدة من أنقرة التدخل بالوساطة لخفض التصعيد بين الطرفين. أجرت أنقرة اتصالات دبلوماسية مكثفة ونقلت رسائل بين طهران وواشنطن، مما أدى إلى تحجيم الرد الإيراني. كما أبلغت إيران تركيا بهجومها على إسرائيل قبل حصوله، وقد لاقت الجهود الدبلوماسية التركية قبولًا من قبل الإيرانيين والأميركيين وحتى الإسرائيليين.
أبرزت هذه الأحداث أهمية تركيا كلاعب إقليمي يسعى للحفاظ على الاستقرار في المنطقة وقادر على التوسط بين الأطراف المتنازعة. ويُعد هذا جزءًا من الدبلوماسية التركية المرنة التي تسعى لتعزيز دورها كشريك استراتيجي في المنطقة.
بداية التحول
بدأت تركيا في التحول إلى قوة إقليمية بشكل ملحوظ مع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في نهاية عام 2002. وقد تعزز هذا التحول بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في حزيران/يوليو 2016، حيث أدت التغييرات الداخلية إلى تشييد صناعة عسكرية متطورة واقتصاد مزدهر والقضاء على ازدواجية القرار السياسي والاستراتيجي.
ويرى محللون أن التحول في نظرة تركيا إلى دورها الخارجي كقوة إقليمية مستقلة ساهم بشكل كبير في إعادة صياغة بيئتها المجاورة بما يتماشى مع متطلباتها الأمنية والاستراتيجية. وأكدت على دورها الإقليمي من خلال التدخل المباشر سياسيا وعسكريا في عدد من ساحات الصراع في المنطقة، وظهر ذلك جليا في دعم قطر خلال الحصار الخليجي، والتدخلات العسكرية ضد التنظيمات "الارهابية" في شمال سوريا، والدور العسكري لحل الأزمة الليبية، وانتزاع حقوقها البحرية في شرق المتوسط وبحر إيجة.
دور الدبلوماسية التركية
تُعتبر تركيا دولة ذات أهمية استراتيجية بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها جسرًا بين أوروبا وآسيا، ولها حدود مشتركة مع دول مؤثرة في الشرق الأوسط. هذا الموقع يمكنها من لعب دور استباقي في الأحداث الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، تركيا تتبنى مقاربة "صفر مشاكل مع دول الجوار" وتسعى لتأمين التكامل الإقليمي. كما لعبت الدبلوماسية التركية دوراً بارزاً في تعظيم الدور الإقليمي والدولي للدولة، وهذه أبرز الأمثلة:
1. التدخل في الأزمة السورية: كانت انقرة من بين الدول الرائدة في دعم المعارضة السورية مع انطلاق موجة ثورات الربيع العربي عام 2011 وقدمت المساعدات الإنسانية واستضافة النازحين السوريين. كما سعت للحل السياسي بعد ذلك حيث نظمت مفاوضات السلام في أستانة بين الحكومة السورية والمعارضة، والتي بدأت في عام 2017.
2. التفاعل مع الأزمة الليبية: شاركت تركيا بشكل فعّال في وضع حل للأزمة الليبية، حيث دعمت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا المعترفة دوليا، وقادت تحالفاً معها ضد قوات حفتر المدعومة من مصر والامارات.
3. التحالف مع قطر: عززت تركيا شراكتها العسكرية والاستراتيجية مع قطر، خاصة بعد الأزمة الخليجية في 2017، وقدمت الدعم السريع سياسيا وافتصاديا عبر جسر جوي وبحري لنقل البضائع والمعدات، واستمرت انقرة مساندة للدوحة رغم التحديات التي واجهتهما اقليميا.
4. التعامل الفوري مع الأزمات الإنسانية: عززت تركيا مكانتها بالحضور القوي في تقديم مساعدات إنسانية للعديد من البلدان المتضررة من الأزمات، مما جعلها شريكاً مهماً في مجال الإغاثة الإنسانية على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما تستخدم انقرة مواردها الثقافية والدينية كأدوات لتوسيع نفوذها، مثل إقامة المدارس والمراكز الثقافية وصناعة الدراما التي تعزز مكانتها لدى الشعوب.
5. المشاركة في المفاوضات الدولية: شاركت تركيا بنجاح في عدة مفاوضات دولية، واستطاعت بمكانتها الجديدة وضع حد لكثير من الصراعات الدولية القائمة، مثل الوساطة في محادثات جنيف في الصراع السوري مع المعارضة، ودعم جهود التسوية في أفغانستان بعد خروج القوات الأمريكية منها. والتدخل في القضية القبرصية، ونزع فتيل الحرب في البلقان، ونجحت خلال السنوات الخمس الأخيرة في كسب الثقة الدولية وبناء علاقات قوية مع العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما زاد من تأثيرها الإقليمي.
6. هناك من يعزو القوة الإقليمية التركية إلى الضعف العربي، وهو ما أدى لتسريع بروز الدور التركي، لا سيما من جانب الأنظمة العربية المتخوفة من تعاظم النفوذ الإيراني وامتداده الشيعي بالمنطقة، ورهان هؤلاء أن البعد السنّي المتمثل في الإسلام التركي المتمثل بزعامة حزب العدالة والتنمية قد يكون له دوره في جذب تركيا إلى لعب دور مضاد أو على الأقل كابح لتمدد النفوذ الإيراني.
7. العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والناتو: مارست تركيا مع الغرب سياسة حازمة ومرنة في نفس الوقت، فهي قوية عسكريًا وتستخدم قوتها في الوقت والظرف المؤاتيين. كما أن عضويتها في حلف الناتو تمنحها حماية أمنية ودعماً سياسياً من الدول الأعضاء الأخرى، مما يعزز موقعها كلاعب دولي مهم، حيث أصبحت كلمة السر في حل الصراعات الدولية وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
بشكل عام، تعتمد تركيا على سياسة خارجية استباقية متعددة الأبعاد عبر المزاوجة بين الدبلوماسية المرنة والأولويات الاقتصادية، وأحيانًا تتبنى الخيارات العسكرية لضمان مصالحها الحيوية. وتسعى دوما لتشكيل تحالفات استراتيجية مع دول أخرى تشترك معها في الأهداف والمصالح، مما يعزز من تأثيرها ويوسع دائرة تحالفاتها الدولية.
تركيا والحرب على غزة
يمكننا القول أن الموقف التركي في القضية الفلسطينية يعد نموذجا فريدا للموازنة بين قيم الدولة التركية ومبادئها بالتوازي مع مراعاة المصالح السياسية والاقتصادية، والمتأمل في موقف أنقرة الرسمي سيجده معقدا ويجمع بين المتناقضات، فهو الناقد سياسيا لإسرائيل والمناصر للقضية الفلسطينية،" والداعم للمقاومة باعتبارها حقا أصيلا للشعب الفلسطيني"، لكنه في الوقت نفسه يحافظ على علاقاته الاستراتيجية والاقتصادية مع إسرائيل.
ويمكننا تفسيرهذه العلاقة المركبة بين تركيا وإسرائيل من خلال النظر إلى عدة جوانب:
1. التاريخ الدبلوماسي: كانت تركيا في طليعة الدول الإسلامية التي اعترفت بدولة إسرائيل عام 1949. كما تطورت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ عبر السنين، وتخطت إلى مساحات غير مسبوقة من التعاون العسكري والاستراتيجي .
2. المصالح الاقتصادية : على الرغم من التوترات السياسية بين البلدين والتي ازدادت بشكل واضخ بعد حرب غزة، وقبلها حادثة الاعتداء الاسرائيلي على السفينة التركية مرمرة، ورغم الخلافات إلا أن المصالح الاقتصادية لم تتأثر بشكل كبير، وهذا يعكس التعقيدات الناجمة عن فصل السياسة عن الاقتصاد في العلاقات الدولية.
3. مصالح استراتيجية: تركيا تسعى للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، والعلاقات مع إسرائيل تعتبر جزءًا من هذه المصالح ، فبينما تحافظ على علاقاتها مع العالم العربي.
4. تصريحات اردوغان: أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العمليات الإسرائيلية في غزة، ووصفها بأنها “غير إنسانية” وأشار إلى إسرائيل بأنها "دولة احتلال وإرهاب". كما أعرب عن مقاربة تركيا للسلام في الأراضي الفلسطينية ومستقبل القطاع بعد الحرب. استخدم أردوغان منصات دولية لانتقاد الردود الغربية على الأحداث في غزة، مشيرًا إلى ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات.
5. الدعم الرسمي للفلسطينيين: كثفت تركيا دعمها لغزة منذ احداث 7 من اكتوبر، حيث قامت بإرسال مساعدات إنسانية واستقبال جرحى الحرب لتلقي العلاج في تركيا. وقد "أكد أردوغان مشروعية المقاومة الفلسطينية ونفى عنها صفة الإرهاب".
على الجانب الإسرائيلي، يبدو أن هناك ثمة تمييز بين الخطاب السياسي لأردوغان والمصالح المشتركة بين البلدين. ورغم استدعاء إسرائيل لبعض ممثليها الدبلوماسيين من تركيا، وهو ما يعد في العرف الدبلوماسي إشارة إلى تدهور في العلاقات. لكن إسرائيل لديها رغبة في الحفاظ على العلاقات الاقتصادية على الأقل. ومع ذلك، فإن الأحداث السياسية والعسكرية قد تؤثر على مستقبل هذه العلاقات.