اليونان: إستفتاء مصيري ما بين مطرقة الظلم وسندان الخوف
مراسلتنا رنين بولس المتواجدة في أثينا تكتب عن الأجواء المتوترة في البلد المأزوم ساعات قبل الاستفتاء المصيري
تشهد دولة اليونان مهد الحضارات والمعالم التاريخية أزمة قد تغيير قلبها وقالبها الى أجل غير مسمى، إذ اختار الشعب عقب سنوات من الإنضمام الى الاتحاد الأوروبي أن يخرج عن طوعه، مختارا بذلك حكومة الرئيس، أليكسيس تسيبراس، التي وعدت الشعب بالتحرر مما أسمته الظلمات والعبور الى النور.
ولتغطية هذا الحدث التاريخي وصلنا اليونان علما أن الشعب منقسم الى قسمين، ما بين "نعم" لقبول شروط مجموعة اليورو وبين من يقول "لا" للخضوع للشروط الأوروبية الظالمة وغير العادلة.
فخلال اليومين الماضيين لتواجدي في هذه المدينة الرائعة، وبعد أن حاورت عددا من المواطنين وأصحاب المتاجر، وعقب تجوالي في شوارع وأزقة هذه اللؤلؤة التاريخية القائمة على سفح الجبل، بت أشعر بأن نبض الشارع ورغبة المواطنين البسطاء تميل أكثر نحو عدم قبول شروط مجموعة اليورو، ولكن الخوف من هذه الخطوة المصيرية يتملك قلوبهم.
في هذا المضمار، لا بد من التنويه الى أن ليس كل شيء أبيض وأسود فقط، فليس كل من يقول "نعم" يوافق على شروط ومعاملة مجموعة اليورو تجاه بلاده، إنما ينبع هذا الخيار من الخوف ومن الشعور بأن قول "نعم" سيؤدي الى العقاب من قبل مجموعة اليورو وثم سيؤدي ذلك الى هلاك الاقتصاد اليوناني. فمع تجولي في أثينا الساحرة سمعت الكثير من السكان هنا يعبرون عن غضبهم تجاه الاعلام وبالأخص الإعلام اليوناني الذي يعتبرونه مساعدا على التهويل وتخويف الشعب من التحرر والحض على قبول الخطط الأوروبية التي تصفها الحكومة اليونانية بالمجحفة والمستغلة لموارد ومؤسسات الدولة.
خصوصا وأن الاقتصاد اليوناني يشهد تباطؤا منذ اغلاق المصارف الاثنين وفرض رقابة على حركة الرساميل.
ولعل أبرز الأحداث كانت عندما خرجت بالأمس مظاهرة كبيرة جداً في ميدان "سينتاغمي" في العاصمة اليونانية وتواجد بها عشرات الآلاف من المتظاهرين الذي قالوا بصوتٍ عالٍ "لا" لشروط اليورو ولسياسة التقشف، كانت مشاهد الاحتشاد هذا من أبهى وأعظم المشاهد الديمقراطية التي شهدتها أنا بشكل شخصي وشهدها العالم بشكل عام، فلقد كانت هذه مظاهرة سلمية ومؤثرة. علما أن الرئيس اليوناني أليكسيس تسيبراس دعا خلال هذه التظاهرة التي لقي فيها ترحيبا شديدا من أنصاره الى التصويت بـ "لا" في الاستفتاء دعما لموقف الحكومة اليونانية.
والتقيت هناك برجل قانون يوناني وسألته عن رأيه حول هذه القضية، وقال إن ثمة لعبة سياسية بشعة جدا لتخويف الشعب موضحا أن القانون يمنع مجموعة اليورو من إخراج اليونان من هذه المنطقة ويجبرها على احترام وتطبيق رغبة الشعب.
وسمعت من الأصوات التي تقول "لا" الغضب العارم والكبير تجاه أوروبا ومجموعة اليورو بالتحديد، معبرين عن عدم تقبلهم لسياسة الإكراه والتخويف هذه. يذكر أن ليس كل من يقول "لا" يدعم رئيس الوزراء ألكسيس تسيبراس، فمن بين هذه الأصوات التي ستقول غدا لا يوجد أصوات تابعة لأحزاب اليمين لكنهم لا يوافقون على طريقة معاملة مجموعة اليورو.
وهناك أيضا من يوجه غضبه صوب الحكومة اليونانية لأنها تحملهم مسؤولية اتخاذ قرار مصيري كهذا رغم أن معرفتهم بهذه الأمور ليست كبيرة، فهم يقولون "نحن ننتخب الرؤساء لأننا نثق بقرارتهم ومعرفتهم بمصلحة البلاد، والآن هذه الحكومة تحمل شعبنا المسؤولية"، وهذه الأقوال تأتي رغم أن الاستفتاء الشعبي إحدى الأدوات الديمقراطية وربما الأكثر نجاعة لتعبر بحق وحقيقة عن رغبة وإرادة الشعب.
إذا ما هي السيناريوهات المحتملة؟ في حال كانت نتيجة الاستفتاء "نعم" فستكون هناك علامة سؤال كبيرة حول مصير حكومة تسيبراس علما بأن وزير المالية اليوناني أعلن قبل بضعة أيام أنه سيستقبل من منصبه إذا اختار الشعب الموافقة على هذه الشروط، ويبقى السؤال حول مصير تسيبراس وحزبه في الحكم.
أما إذا آلت النتيجة الى رفض الشروط الأوروبية فنستطيع القول إن هذا سيكون إنتصارا كبيرا لتسيبراس وسيعطيه الدعم المرجو لطرح شروطه وطلباته على طاولة المفاوضات.
يوم واحد فقط يفصل الشعب اليوناني عن معرفة جواب السؤال المصيري: هل ستخضع اليونان لسياسة التقشف أم أنها ستختار الذهاب قي طريق آخر.
وأظهرت استطلاعات جديدة للرأي تقاربا بين مؤيدي برنامج المساعدة والرافضين له بحيث بدأ من الصعب توقع ما ستؤول اليه نتيجة الاستفتاء. وتفوق مناصري التصويت بـ"نعم" في ثلاث استطلاعات بفارق يراوح بين 0,4 و0,6 نقطة فقط، فيما بيّن استطلاع رابع تقدم معسكر الـ"لا" بـ0,5 نقطة فقط.
واتهم وزير المالية اليوناني فاروفاكيس اليوم السبت دائني بلاده بـ"الارهاب" وبأنهم يريدون "إذلال اليونانيين". وتساءل في مقابلة مع صحيفة "الـ موندو" الاسبانية "لماذا أرغمونا على اقفال المصارف؟ لماذا يبثون الخوف بين الناس؟".
كما حذر في مقال في صحيفة "كاثيميريني" اليونانية من أن التصويت بـ"نعم" سيحول البلاد الى "مستعمرة خاضعة للدين" مع عودة الدائنين الى "أثينا بنوايا انتقامية".
رنين بولس هي مراسلة قناة i24news