- i24NEWS
- الشرق الأوسط
- لغز مخطوطات حلب
لغز مخطوطات حلب
ماذا حلّ بمصير 190 صفحة من إحدى أكثر النسخ دقة للعهد القديم

إنه لغز لا بد أنه يجعل من دان براون (مؤلف رواية ذا دافينشي كود) يركل نفسه لكونه لا يعرف بذلك. إنها قصة تحمل كافة عناصر رواية ناجحة تتصدر المبيعات أو فيلم كاسر للصناديق، ويبدو أنها صحيحة.
في مركزها مخطوطات حلب، التي تعرف أيضا باسم تاج حلب، إحدى أقدم واكثر النسخ دقة للعهد القديم (التوراة). بما أنه يعتقد أنها نسخة موثوقة أو رسمية للانجيل العبري، قد تكون أقدس مخطوطة معروفة لليهود وللمسيحيين أيضًا.
وفقا لد. أدولفو رويتمان، الكانز الرئيسي في متحف مقام الكتاب المقدس في القدس، حيث تقطن الآن المخطوطات، فإن جميع النسخ الحالية للعهد القديم "هي نتاج بطريقة أو بأخرى عن هذه المخطوطة العتيقة".
لكن المخطوطة تحمل أهمية كبرى ليس فقط لمحتوياتها، بل أيضا لما لا تحتويه. نحو 190 صفحة من النص الذي لا يثمّن - والتي تشكل نحو 40% من المجموع - مفقودة. وهذه تشمل أربع من خمس أسفار موسى - الأسفار الخمسة الاولى في العهد القديم، وخمس أسفار من المقطع الأخير - العويل، سفر الجامعة، استير، دانيئيل، وعزرا.
وكتبت المخطوطة في مدينة طبريا الواقعة على ساحل بحيرة طبريا في الجليل، نحو 930 عامًا قبل الميلاد، وبعدها نُقلت إلى القدس، ومن هناك سُرقت عندما اقتحم الصليبيون المدينة عام 1099.
وكان قد تم استعادة المخطوطة من قبل يهود القاهرة الذين جلبوا المخطوطة إلى هذه المدينة.
في القرن الرابع عشر نُقلت المخطوطة إلى حلب في سوريا، حيث حُفظت طوال مئات السنين في كنيس (معبد يهودي).
نقطة التحول وعمليا نقطة بداية اللغز كانت في تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، عندما وضع قرار للأمم المتحدة الأسس لتأسيس دولة إسرائيل. اندلعت أعمال شغب معادية لليهود في سوريا وتم إحراق الكنيس في حلب.
إلا أن المخطوطة قد تم تهريبها من الكنيس، واحتفظ بها في مكان آمن لحين بلغت إسرائيل في العام 1958، وأهديت حينها على الرئيس يتسحاق بن تسفي. وباتت جزءا من ملكية معهد بن تسفي في القدس - وهو معهد أبحاث بملكية حكومية.
بقيت المخطوطة في المعهد حتى نقلها إلى متحف إسرائيل في أواسط الثمانينيات من القرن المنصرم، وقد نُشرت وعُرضت بعض أجزائها أمام الجمهور في متحف مقام الكتاب المقدس في القدس إلى جانب غرض ذو أهمية كبرى أيضا ومشابه - مخطوطات البحر الميت.
إنه معرض شهير بحق، ولكن ربما يطغى عليه السؤال ما حلذ بمصير تلك الصفحات المفقودة. وقد خلقت مهمة البحث عن جواب نقاشا وزوّدت الباحثين والاكاديميين والمؤلفين ومحبي الكتابات الانجيلية بالطاقة.
اعتقد أصلا أنه تم تدمير الصفحات الناقصة عندما أضرمت النيران بكنيس حلب أو ربما سرقها السوريون.
ولكن الصحافي ماطي فريدمان - مؤلف كتاب عن الموضوع، لديه تعليل مختلف. ويقول "بناء على الأدلة التي كشفتها، فُقدت هذه الصفحات في إسرائيل، هذا السيناريو الأكثر ترجيحا".
ولكن الأستاذ ايالي جينيو - رئيس معهد بن تسفي لا يتفق معه. هو يعتقد أن الصفحات فُقدت خلال أعمال الشغب في سوريا.
ويقول "اذا كانت قد فقدت بعض الصفحات بعد 1947 وبيعت أو نقلت إلى مجموعة خاصة، لكانت قد طفت هذه الصفحات على السطح وبانت".
بدل ذلك لم يظهر إلى الآن إلا مقطعين من الصفحات المفقودة، وفي كلتا الحالتين إدعى مالكيهما أن أسلافهم عثروا عليها على أرض الكنيس.
جينيو الذي تولى منصبه قبل أشهر قليلة فقط يقصد بذلك ورقي شجر أعيدتا إلى متحف إسرائيل في موعدين مختلفين - صفحة كاملة عام 1982 و مقطع من صفحة عام 2007.
ولكن، رغم هذه الأدلة لا يزال فريدمان غير مقتنع. كما أنه لا ينفي احتمال أن يكون لمعهد بن تسفي يد في موضوع اختفاء الصفحات. في مقالة كتبها نوّه إلى أن أعضاء المعهد رفضوا أي تحقيق في القضية، بينما فشلوا في جلب أدلة تثبت عكس الشبهات.
"إذا نظرت إلى قصة المخطوطات تجد أن العديد من المخطوطات قد فقدت في ذاك الوقت من معهد بن تسفي، كما فقدت في الفترة التي كان لدى معهد بن تسفي ملكية المخطوطات" كما يقول.
حاليا، بما يخص الأستاذ جينيو فإن هذه الاتهامات تعتمد على الشائعات فقط. عند سؤاله عن التهم الموجهة الى يوم توف أسيس، الرئيس السابق لمعهد بن تسفي والمتوفى حديثا، القائلة بأن بعض المخطوطات فقدت خلال الفترة التي كانت متواجدة فيها عندهم يقول إن أسيس خصص سنين من عمره في محاولة للعثور على الصفحات المفقودة ولكنه فشل. كما إنه يشدد على مطلب فريدمان بإجراء تحقيق علني وعام حول قضية اختفاء الملفات.
"لا أملك ما أخفيه. اذا تم إجراء تحقيق رسمي سأكون سعيدا بالمساعدة" كما يقول بحزم.
مسألة ملكية المخطوطة هي أيضا محط شك وخلاف
يعتقد منتج الأفلام آفي داباش الذي يطمح لصناعة فيلم وثائقي عن المخطوطة، أن المخطوطة تتبع للمجتمع اليهودي الذي طُرد من سوريا.
وصرّح "في الستينيات المجتمع اليهودي الحلبي قاضى الأشخاص الذين جلبوا المخطوطة إلى اسرائيل. وقررت السلطات الإسرائيلية مصادرة الغرض، وحينها من موقع قوة، فرضت على المجتمع اتفاقا بالقوة".
طوال سنين طويلة جاء أعضاء المجتمع اليهودي الحلبي إلى مقام الكتاب المقدس في متحف اسرائيل لمشاهدة المخطوطة والصلاة أمامها. بالنسبة لهم إن أهمية المخطوطة تتعدى العامل الديني. فهم يعتبرونها أمرا جمع مجتمع وحافظ على روابطه طوال سنين طويلة في دولة أكثرية إسلامية.
وقد باشر داباش وطاقمه بحملة تجنيد أموال الكترونية لتمويل فيلمهم آملين بأن يتمكنوا من مواصلة التحقيق الذي بدأه فريدمان.
أوري شابيرا هو مراسل قناة i24news التلفزيونية.
