الخط السري الذي يربط بين إسرائيل والسعودية
خطوة جوجل تجاوزت الاحتكار المصري والتهديدات في البحر الأحمر من خلال مناورة هندسية وسياسية بارعة: ربط ألياف سرية قرب إيلات • بسعة 400 تيرابِت في الثانية ودور حاسم في ثورة الذكاء الاصطناعي


مشروع البنية التحتية الطموح لجوجل، "بلو-رامان" (Blue-Raman)، يخلق واقعًا جيوسياسيًا وتكنولوجيًا جديدًا في الشرق الأوسط، إذ يربط إسرائيل والسعودية بأنبوب واحد ويتجاوز تهديد الحوثيين في البحر الأحمر. هذه الخطوة تجعل إسرائيل فعليًا العمود الفقري للإنترنت الغربي واحتياطًا استراتيجيًا للعالم الحر.
نهاية الاحتكار المصري
الخلفية للمشروع تنبع من الاعتماد للإنترنت العالمي على مصر. حتى وقت قريب، حوالي 30 بالمئة من حركة البيانات الرقمية بين القوى الآسيوية وأوروبا مرت عبر قناة السويس. هذا الوضع مكّن مصر من جني مليارات، لكن بدون توفير أمان مستقر، حيث أن التهديدات الأمنية أو الأعطال البحرية كانت تهدد باستمرار الاقتصاد العالمي. الحاجة إلى مسار بري آمن أدت إلى الخيار الوحيد على الخريطة: إسرائيل.
مناورة جوجل: اجتماع سري في إيلات
للتغلب على العقبات السياسية، اتخذت جوجل خطوة "هندسة الأسماء": تقسيم اصطناعي للكابل إلى قسمين. رسميًا، نظام "بلو" يربط بين أوروبا وإسرائيل، بينما نظام "رامان" يربط بين الهند والسعودية والأردن. عمليًا، الاتصال الفعلي يتم في مخبأ سري بالقرب من إيلات، حيث تُلحم الألياف ببعضها البعض لتشكيل تسلسل اتصالات واحد.
المصلحة السعودية في الربط نابعة من اعتبارات اقتصادية بحتة: تعزيز مدينة المستقبل "نيوم" التي تتطلب سرعة تصفح قصوى. المرور عبر إسرائيل يوفر الدوران حول شبه جزيرة سيناء ويقلل من وقت نقل المعلومات في ميلي ثانية حرجة.
على الرغم من أن المشروع بدأ في عام 2019 وكاد أن يُلغى في عام 2024 بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، إلّا أن المصلحة الاقتصادية تغلبت. خلال عمليات سرية اكتملت الاتصالات في السعودية والأردن، واليوم يعمل النظام بهدوء ويخدم البنوك وعمالقة الحوسبة السحابية.
التأثير على إسرائيل دراماتيكي: الدولة تحولت من "زقاق بلا مخرج" إلى مفترق طرق عالمي. مشروع الحوسبة السحابية الحكومي "نيمبوس" ومزارع الخوادم الجديدة تُبنى على أساس هذه البنية التحتية، مما يعني أن معلومات حساسة للبنوك الدولية تمر الآن عبر الأراضي الإسرائيلية. الوضع الجديد يضع إسرائيل كـ"قبة حديدية للواي-فاي العالمي"، ولكنه أيضًا يجعلها هدفًا للاستخبارات الإيرانية ويسبب توترًا مع مصر التي فقدت احتكارها.
أنبوب الأكسجين للذكاء الاصطناعي
من الناحية التكنولوجية، يُظهر الكابل قفزة نوعية من خلال تكنولوجيا "التعدد في الفضاء". على عكس الكوابل البحرية التقليدية، يتضمن "بلو رامان" 16 مساراً سريعاً من الألياف الزجاجية بسعة 400 تيرابت في الثانية – وهو حجم يسمح، على سبيل المثال، بنقل جميع الكتب التي كُتبت على مر التاريخ في أقل من ثانيتين.
إلى جانب سرعة التصفح، يُعرَّف الكابل كأنبوب الأكسجين لثورة الذكاء الاصطناعي (AI). تدريب النماذج المتقدمة في عام 2025 يتطلب نقل كميات هائلة من البيانات بين مزارع الخوادم في الهند والمعالجات في أوروبا دون تأخير (لاتنسي)، مما يجعل إسرائيل "محطة الترحيل" للدماغ العالمي.
من منظور استراتيجي واسع، يُوصف المشروع بأنه استعدادٌ لتفكك عالمي وسيناريوهات حرب قد تقوم فيها روسيا أو الصين بقطع الكابلات في المحيطات. في مثل هذه الحالة، ستكون إسرائيل بمثابة الدعم الحاسم للعالم الحر وأهم جسر رقمي بري بين الشرق والغرب. وكما يُبين التقرير، فإن السلام الحقيقي في المنطقة بات اليوم مُرسخاً بألياف زجاجية تحت الأرض، حيث ستكون إسرائيل في أواخر عام 2025 بمثابة القلب النابض للمعلومات العالمية.