في أعماق البحار: اكتشاف كبسولة الزمن بعد 3000 عام
جولة لروبوت متقدّم تابع لشركة طاقة كشفت سرًا مذهلًا • سفينة كنعانية كانت تحمل زيوت عطرية ثمينة وحُفظت كاملة • القطع التي أُخرجت منها في عملية معقّدة تكشف تاريخًا مذهلًا


يبدو هذا وكأنه بداية فيلم خيال علمي: روبوت يتجول في الظلام، على عمق كيلومتر ونصف تحت الماء، وفجأة أضواؤه تضيء شيئًا مستحيلًا. سفينة أشباح راسية هناك، سليمة تمامًا، منذ 3,300 عام. هذا الاكتشاف ليس فقط مثيرًا، بل يحطم كل ما كنا نظنه أننا نعرفه عن الماضي.
أسموه "ملاحة السواحل". الادعاء كان أن الكنعانيين أبحروا فقط حين كان بإمكانهم رؤية الشاطئ بأعينهم، وكانوا يرسون كل ليلة للنوم. البحر المفتوح كان منطقة موت في ذلك الوقت. لكن في صيف 2024، هذه الأسطورة غرقت على عمق 1.8 كيلومتر.
شركة الطاقة "انرجيان"، التي كانت تبحث أصلاً عن غاز طبيعي، أنزلت روبوت إلى الأعماق على بعد 90 كيلومتراً من سواحل إسرائيل. وهناك، في الظلام الدامس، انتظرتهم سفينة كنعانية كاملة، لم تمس قاع البحر منذ 3300 سنة.
ولماذا هذا الموقع يغير التاريخ؟ لأنه على بعد 90 كيلومتر من الشاطئ، أنت لا ترى يابسة. أنت ترى فقط ماء وسماء بـ360 درجة. هذا يعني أن قبطان هذه السفينة لم يكن جباناً. هو كان رائد فضاء. بدون GPS، بدون بوصلة وبدون خرائط - وصل إلى قلب البحر المتوسط.
هذا الاكتشاف يثبت أن الكنعانيين طوروا ملاحة فلكية متقدمة. كانوا يعرفون كيف يقرؤون النجوم وزوايا الشمس لعبور البحر في مسار مباشر. لم يكونوا بدائيين يتلمسون في الظلام، بل كانوا الفايكنغ في الشرق الأوسط قبل ألفي عام.
ولكن كيف تنجو سفينة خشبية على مدار 3,300 عام دون أن تتعفن؟ الى هنا تدخل العلم. السفينة هذه غرقت بعمق كبير جداً، حتى دخلت إلى "منطقة الموت". على عمق 1.8 كيلومتر، الضغط هائل، الظلام تام، والأهم من ذلك – الطين هناك خالٍ من الأكسجين. بدون أكسجين، لا توجد بكتيريا ولا ديدان تأكل الخشب. السفينة دخلت إلى "ثلاجة" طبيعية. الروبوت صوّر عوارض خشبية تبدو وكأنها خرجت أمس من الورشة.
نحن نتحدث عن تقنية بناء اختفت من العالم: "القشرة أولاً". لقد بنوا السفينة مثل أحجية ثلاثية الأبعاد بدون مسامير، حيث إن ضغط الماء فقط هو الذي يمسك كل شيء معًا. إنها هندسة تجعل المهندسين العصريين يمسكون رؤوسهم من الدهشة.
كيف نستخرج التاريخ؟
وهنا يأتي الجزء الأكثر إثارة في العملية. كيف يمكن استخراج دليل علمي من مثل هذا العمق دون تدميره؟
كان على مهندسي شركة إنرجيان وسلطة الآثار إجراء "جراحة دماغ" باستخدام روبوت صناعي عملاق.
قاموا بسحب الجرار من الوحل بلطف دقيق للغاية، دون أن يمسوا السفينة نفسها. لمسة واحدة خاطئة – وكان كل الخشب القديم سيتحول إلى غبار. لكن ذلك نجح. الجرار صعدت للأعلى، وفي السنة الماضية ظهرت نتائج مخبرية ليست أقل من زلزال.
هذه السفينة كانت "بنكًا عائمًا". كانت تحمل مئات الجرار المحكمة الإغلاق. في الداخل لم يكن هناك فقط زيت للقلي.
يقدّر الباحثون أن هذا كان صمغًا فاخرًا استُخدم لتحنيط الفراعنة ولعطور فاخرة. "شانيل 5" في العالم القديم. هذه السفينة لم تكن تنقل مواد للبقالة. لقد كانت تنقل كنز الملك.
الكنعانيون كانوا مستعدين للمغامرة في رحلة خطيرة في قلب البحر لتقصير الطريق بأسبوعين. غرقهم كان يوماً أسود لبورصة العالم القديم، التي كانت تنتظر البضائع الثمينة.
والسخرية؟
وجدت السفينة شركة غاز تبحث عن طاقة القرن الواحد والعشرين. لقد وجدت سفينة محمّلة بمادة احتراق - طاقة القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
مرّت 3,000 سنة، ولم يتغير شيء.
ولم ينته الأمر هناك، ففي يوليو الماضي تم اكتشاف سفينة أخرى في تركيا، مكدّسة بالسيراميك الروماني/الهلنستي وفي حالة حفظ مثالية. هذا يثبت أن البحر الأبيض المتوسط مليء بـ"كبسولات زمنية" في أعماق كبيرة كانت تنتظر فقط الروبوتات الجديدة.
الاكتشاف الإسرائيلي لعام 2024 لم يكن حظاً عابراً، بل كان إيذاناً ببداية عصر جديد من الاكتشافات التاريخية.