البحر الأحمر على صفيح ساخن: تمدد إيران في السودان يستنفر السعودية ومصر
طهران تستغل الفوضى في السودان لترسيخ موطئ قدم عسكري في البحر الأحمر، لتوريد طائرات مسيرة وحرب إلكترونية، ولإنشاء محور تهريب جديد-قديم إلى غزة •


بينما ينصبُّ اهتمام العالم على جبهات إيران المألوفة في غزة ولبنان وسوريا واليمن، تُشكَّل جبهة جديدة وخطيرة تحت الرادار في قلب أفريقيا. أصبحت الحرب الأهلية الوحشية المستعرة في السودان ستارًا دخانيًا تبني طهران خلفه موطئ قدم عسكريًا يهدد بتغيير ميزان القوى الإقليمي.
يدور الصراع في السودان بين جنرالين، كانا شريكين في انقلاب عسكري، ويقاتلان الآن من أجل السيطرة على البلاد. من جهة، يقف الجيش السوداني الرسمي بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان. بعد أن كاد أن ينهار ورفض طلبات المساعدة من الغرب وإسرائيل، لجأ البرهان إلى إيران، التي تزوده الآن بطائرات بدون طيار ومعدات عسكرية مقابل قواعد وموانئ.
من الجهة الأخرى توجد "قوات الدعم السريع" (RSF)، ميليشيا وحشية بقيادة الجنرال "حميدتي"، التي نشأت من قوات الجنجويد في دارفور. تموّل قوات الدعم السريع نفسها من خلال السيطرة على مناجم الذهب في السودان وتهريبه عبر شبكات عالمية مدعومة من جهات في روسيا والإمارات العربية المتحدة.
بشكل مفاجئ، روسيا وإيران، الحليفات في ساحات أخرى، تدعمان أطرافًا متنافسة في السودان. روسيا غير مستعدة للتخلي عن سيطرتها على الذهب عبر قوات الدعم السريع، بينما إيران تطمح إلى ميناء استراتيجي يمنحه لها الجيش السوداني. هذا يشير إلى الأهمية الاستراتيجية الهائلة التي تراها إيران في هذه الساحة.
طائرات مسيّرة، حرب إلكترونية ومسار تهريب جديد
بدأ التدخل الإيراني بتزويد الجيش السوداني بطائرات مسيّرة متقدمة، من بينها طرازا "مهاجر-6" و"أبابيل-3"، اللذان يتيحان تنفيذ هجمات دقيقة وجمع معلومات استخبارية. وتفيد قوات الدعم السريع بأن الطائرات المسيّرة، التي يبدو أنها تُشغَّل من قبل خبراء إيرانيين، غيّرت ميزان القوى في العاصمة الخرطوم.
لكن الدعم الإيراني لا يقتصر على ذلك فقط. طهران توفر أيضًا قدرات حرب إلكترونية، تتيح تعطيل إشارات GPS والاتصالات عبر الأقمار الصناعية في منطقة البحر الأحمر. هكذا هي تخلق "منطقة رمادية" استخباراتية، تحمي من خلالها مسارات التهريب الخاصة بها وخطوط الملاحة العالمية.
في الوقت نفسه، تستخدم الذهب السوداني لإنشاء "بنك ظل" يموّل أنشطتها دون الخوف من العقوبات. إيران تدوس على مواضع حساسة. حتى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان يعتبر السودان أصلًا استراتيجيًا. إيران، من خلال تحالفها مع البرهان، تُفشل بشكل مباشر الخطة السعودية وأيضًا الإسرائيلية لإنشاء منطقة مستقرة ومعادية لإيران في البحر الأحمر.
الوجود الإيراني المتزايد في ميناء السودان، الذي تم تأكيده من خلال رسو سفن حربية إيرانية، يهدف إلى إقامة مركز لوجستي بحري يُستخدم كمحطة تزويد بالوقود، صيانة وقاعدة تنصت. الهدف الأعلى هو دعم لوجستي للحوثيين في اليمن وإعادة تأهيل "محور التهريب" التاريخي عبر السودان ومصر، الذي كان يُستخدم في السابق لنقل الصواريخ والأسلحة إلى حماس والجهاد الإسلامي في غزة.
في الوقت نفسه، تستغل إيران الفوضى لإجراء صفقات مقايضة للنفط والسلاح مقابل الذهب السوداني، وبهذه الطريقة تتجاوز العقوبات الاقتصادية. كل هذه التحركات تدل على خطة إيرانية منسجمة لتحويل السودان من قوة محلية مفككة إلى دولة تابعة وظيفيًا - في قلب الاستراتيجية العالمية لطهران.
الرد الإسرائيلي والإقليمي
التحركات الإيرانية في السودان تضر بشكل مباشر بمصالح السعودية ومصر، اللتين تعتبران البحر الأحمر أصلًا أمنيًا واقتصاديًا وجوديًا. إسرائيل لا تختار جانبًا في الحرب الأهلية في السودان، لكنها تتخذ موقفًا حازمًا في الحرب ضد إيران. كما أن إسرائيل قلقة من نشوء جناح إطلاق جنوبي جديد للمسيّرات والصواريخ بعيدة المدى.
وفقًا لتقارير أجنبية، التنسيق الاستخباراتي بين إسرائيل، مصر والسعودية تعزز بشكل كبير لمراقبة أي تحرك إيراني ولإيقاف محور التهريب البري. في الوقت نفسه، تواصل الولايات المتحدة خنق التمويل من خلال فرض عقوبات على شبكات تهريب الذهب. وإذا ما صدقت الإشارة الجديدة من ابن سلمان لترامب في لقائهما في البيت الأبيض، فيبدو أن هناك لاعبًا جديدًا في الساحة.
بينما تتجنب إسرائيل اختيار طرف في الحرب الأهلية، فهي تتخذ موقفاً حازماً في الحرب ضد التمركز الإيراني. أصبحت السودان مختبراً تطبّق فيه إيران مدى قدرتها على دفع حدود نفوذها في البحر الأحمر.
إذا نجحت طهران في إقامة ميناء هناك، وممر لتهريب الأسلحة، ومركز للطائرات المسيرة، فإن السودان سيتحول إلى جبهة جنوبية جديدة وخطيرة في المواجهة الواسعة بين إسرائيل وإيران. والسؤال الحقيقي ليس ما تفعله إيران في السودان – بل ماذا ستفعل إسرائيل بشأن ذلك؟